مع وجود أكثر من 26 مليون موقع متخصص في عرض المواد الإباحية وإضافة التحديثات كل يوم، وفر الإنترنت وسيلة جديدة للناس يمكن من خلالها الوصول إلى المواد الإباحية. وفي أي لحظة، هناك حوالي 29 ألف شخص في جميع أنحاء العالم، 66٪ منهم من الذكور، يشاهدون المواد الإباحية.
فهي مجانية وسهلة الوصول بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، وآثارها على الدماغ البشري والنفس لم يتم دراستها بدقة حتى الآن. في هذه المقال سأشرح بماذا يختلف الوصول للمواد الإباحية الحديثة في يومنا هذا عن الأجيال السابقة، وكيف أن هذا التعرض للمواد الإباحية يمكن أن يكون له عواقب سلبية.
تاريخ الصور الجنسية
إن تصوير الإنسان للأفعال الجنسية يمتد بقدر ما لدينا من سجلات حضارية قديمة. فالرسومات في كهوف العصر الحجري القديم التي يعود تاريخها إلى ما قبل 12،000 سنة تبين تصوير الأعضاء التناسلية البشرية. ومنذ آلاف السنين، كان تصوير المشاهد الجنسية مقتصرًا على الصور واللوحات والنقوش والمنحوتات ثم المجلات.
لكن في عام 1895، حدثت نقلة نوعية كبيرة في وسائل الإعلام الجنسية مع اختراع الصور المتحركة. في العام نفسه بدأ إنتاج أول فيلم إباحي (Le Coucher, 1895)، ومنذ ذلك الحين وحتى عام 1980 كان توزيع المواد الإباحية يتم من خلال الأفلام والمجلات.
لكن مع الثورة الرقمية ووصول الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر الشخصية إلى الأسرة المتوسطة، أصبح الوصول إلى المواد الإباحية أسهل بكثير مما كان سابقًا، وانخفضت مبيعات المجلات بنسبة 50٪ واستمرت في الانخفاض منذ ذلك الحين. والآن في القرن 21، أصبحت الإباحية أحد أشهر مرادفات شبكة الإنترنت التي هي حتى الآن أكبر موزع للمواد إباحية.
لماذا تعتبر المواد الإباحية في العصر الحديث مختلفة عن السابق؟
هناك جوانب عديدة للإجابة عن هذا السؤال، فقبل اختراع الإنترنت كان الوصول إلى المواد الإباحية محدودًا حسب العمر والمال ومدى توافرها. فمن أجل الحصول على المجلات والصور، فإن الشخص بحاجة للذهاب بدنيًا إليها وشرائها.
أضف إلى ذلك، كانت القوانين في كثير من الأحيان تطلب أن يكون الشخص قد تجاوز الحد الأدنى للسن من أجل شراء المواد الإباحية، لذلك كان التعرض للمواد الإباحية يحدث في سن متأخرة كثيرًا. وبذلك كانت المواد الإباحية محدودة الانتشار. لكن مع ظهور شبكة الإنترنت، أصبح الشرط الوحيد لإيجاد محتوى إباحي هو الحصول على كمبيوتر في المنزل أو الهاتف الذكي.
وثمة فرق آخر بين المواد الإباحية الحديثة وتصوير الإباحية في الماضي، فتوافر الإباحية كانت محدودًا حسب حجم المجلة وعدد الصور بداخلها. لكن مع الإباحية على شبكة الإنترنت، أكثر من 1.3 مليار صورة تضمن أن الإباحية ستكون دائمًا متاحة للمشاهدة. وإن هذا المستوى من الكم والتنوع في المواد الإباحية هو شيء لم يحدث قبل أواخر عام 1990.
التأثيرات الفسيولوجية للمواد الإباحية
السؤال الذي يطرح نفسه، هل هذا التحول في المواد الإباحية له تأثير علينا؟ هل تتغير الطريقة التي ننظر بها إلى العالم؟
الحقيقة أن المواد الإباحية لها تأثير فسيولوجي ونفسي يمكن أن يتسبب في حدوث الإدمان. فهناك العديد من الذكور الذين تابعوا المواد الإباحية بانتظام أكدوا أن لذلك أثر على علاقاتهم. فلم يكن أي من هؤلاء الذكور منعزلًا، أو يعاني من الانسحاب الاجتماعي. واعترف هؤلاء الرجال بأن مشاهدة المواد الإباحية تؤدي إلى إثارة أقل أثناء ممارسة الجنس.
وبدلًا من الاستمتاع بممارسة الجماع، كانوا مجبرين على تخيل أنفسهم جزءًا من السيناريو الإباحي. وقد طلبوا من شريكاتهم القيام بنشاط جنسي مثل نجوم البورن، أو ممارسة الجنس العنيف. وعندما سئلوا عن رغبتهم في مشاهدة المزيد من المواد الإباحية، قالوا جميعًا إنهم بحاجة إلى المزيد من مشاهدة المواد الإباحية من أجل الوصول إلى المستوى السابق من الإثارة.
المفتاح لهذا التغيير يمكن أن يفسر من قبل أحد الناقلات العصبية الموجودة في الدماغ والتي تسمى الدوبامين. الدوبامين يلعب العديد من الأدوار في الدماغ، لكن الأهم هو أنه المسؤول عن التعلم القائم على المكافأة.
الدوبامين هو مادة كيميائية طبيعية موجودة في الجسم البشري. وهي تتحرر خلال ممارسة الجنس أثناء هزة الجماع، وتعطي شعورًا بالنشوة تمامًا كما يفعل الهيروين، لذلك فإن مشاهدة المواد الإباحية باستمرار يتسبب في إفراز الدوبامين بمستويات أعلى من الطبيعية. مما يجعل الوصول للمتعة والإثارة الجنسية أصعب مع الوقت.
الآثار النفسية لمشاهدة المواد الإباحية
إن التغيير البيولوجي في الدماغ له تداعيات نفسية واجتماعية حقيقية جدًا. ففي دراسة أجريت لاختبار تأثير المواد الإباحية على الالتزام بالعلاقة، أظهرت النتائج أن البالغين الذين شاهدوا عددًا كبيرًا من المواد الإباحية أظهروا انخفاضًا في الالتزام مع شركائهم.
وفي الدراسة ذاتها، تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين، حيث طلب من المجموعة الأولى الامتناع عن مشاهدة المواد الإباحية لأسبوع، بينما طلب من المجموعة الثانية مشاهدة المواد الإباحية بانتظام. وقد أظهرت النتائج أن المشاركين في المجموعة الثانية كانوا أكثر عرضة لمغازلة زملائهم في العمل. وهذا قد يعني زيادة احتمال حدوث علاقة خارج نطاق الزواج الذي يمكن أن يؤدي بدوره إلى إنهاء العلاقة.
لذلك، فإن مشاهدة المواد الإباحية يزيد من احتمال انفصال الأزواج أو الطلاق. وحتى لحظة كتابة هذا المقال، لا توجد أي دراسة إحصائية تشير إلى عدد حالات الطلاق أو الانفصال التي حدثت نتيجة مشاهدة أحد الزوجين للمواد الإباحية.
كلمة أخيرة
في هذا المقال، ناقشت لماذا تختلف الإباحية في العصر الحديث عن الصور الجنسية الفاضحة في الماضي. وكيف أن هذا التحول أدى إلى تغييرات جذرية على الدماغ البشري والسلوك البشري. ومع ذلك، هذا ليس سوى غيض من فيض. فالبحث العلمي في هذا المجال مازال قاصرًا وضعيفًا، وهناك الكثير من علامات الاستفهام التي مازالت مطروحة.
فمثلًا هل هناك تغييرات مماثلة عند النساء اللواتي يشاهدن بانتظام أشرطة الفيديو الإباحية؟ وهل تتأثر العلاقات بين الرجال والنساء نتيجة مشاهدة المواد الإباحية؟ وما هي العوامل التي تزيد من احتمال أن يكون الشخص أكثر عرضة للتأثر بالمواد الإباحية؟ هذه ليست سوى بعض من كثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة، والتي تتطلب إجراء المزيد من الأبحاث.